فصل: تفسير الآية رقم (20):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: تفسير الشعراوي



.تفسير الآية رقم (20):

{فَوَسْوَسَ لَهُمَا الشَّيْطَانُ لِيُبْدِيَ لَهُمَا مَا وُورِيَ عَنْهُمَا مِنْ سَوْآتِهِمَا وَقَالَ مَا نَهَاكُمَا رَبُّكُمَا عَنْ هَذِهِ الشَّجَرَةِ إِلَّا أَنْ تَكُونَا مَلَكَيْنِ أَوْ تَكُونَا مِنَ الْخَالِدِينَ (20)}
كلمة (وسوس) تدل على الهمس في الإغواء، ونعرف أن الذي يتكلم في خير لا يهمه أن يسمعه الناس. لكن من يتكلم في شرّ فيهمس خوفاً من أن يفضحه أحد، وكأن كل شر لابد أن يأتي همساً، وصاحبه يعرف أن هذا الكلام لا يصح أن يحدث، ويستحي منه، ولا يحب أن يعرف المجتمع عنه هذا الشيء، و(وسوس) مأخوذة من الصوت المغري، لأن الوسوسة هي صوت رنين الذهب والحلي، إذن فما قاله الشيطان لآدم وزوجه هو كلام مغرٍ ليلفتهما عن أوامر رب حكيم.
وقوله الحق: {فَوَسْوَسَ لَهُمَا} يعطينا حيثيات البراءة لحواء؛ لأن الشائع أن حواء هي التي ألحت على آدم ليأكلا من الشجرة، وكثير منا يظلم حواء على الرغم من أن القرآن يؤكد أن الوسوسة كانت لآدم وحواء معاً. {فَوَسْوَسَ لَهُمَا الشيطان لِيُبْدِيَ لَهُمَا مَا وُورِيَ عَنْهُمَا مِن سَوْءَاتِهِمَا}.[الأعراف: 20].
وهل وسوس الشيطان لهما ليبدي لهما ما ووري من سوءاتهما، أو وسوس ليعصيا الله؟. لقد وسوس ليعصيا الله، وكان يعلم أن هناك عقوبة على المعصية، ويعلم أنهما حين يأكلان من الشيء الذي حرمه ربنا ستظهر سواءتهما، و(السوءة) هي ما يسوء النظر إليه، ونطلقها على العورة، والفطرة تستنكف أن يرى الإِنسان المكتمل الإِنسانية السوءة. وكأنهما في البداية لم ير أحدهما سوءة الآخر أو سوءة نفسه لأن الحق يقول: {لِيُبْدِيَ لَهُمَا مَا وُورِيَ عَنْهُمَا مِن سَوْءَاتِهِمَا}.
والسوءات أربع: اثنتان للرجل واثنتان للمرأة، فكأن كل إنسان منهما لا يرى سوءتيه، وكذلك لا يرى سوءتي الآخر، لأن السوءات كلها لها ما يخفيها عن الرؤية، وهذا كلام معقول جداً. ألم تقل سيدتنا أم المؤمنين عائشة- رضي الله عنها-: (ما رأيت ولا أرى مني)، وفي هذا القول تتجلّى قمة الأدب لأنها لم تجيء حتى باللفظ، لأن العضو مادام سوءة فهو مبني على الستر. وذلك حين حدَّث رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: (يا أيها الناس إنكم تحشرون إلى الله حفاة عراة غرلا {كما بدأنا أول خلق نعيده وعدا علينا إنا كنا فاعلين} تعجبت السيدة عائشة فقال لها: (الأمر أخطر من أن ينظر أحد إلى أحد). {لِيُبْدِيَ لَهُمَا مَا وُورِيَ عَنْهُمَا مِن سَوْءَاتِهِمَا} [الأعراف: 20].
وبماذا ووري؟ لابد أن هناك لباساً كان على كل منهما، وقال العلماء الكثير عن هذا اللباس، فمن قائل: إن أظافر الإِنسان هي بقية اللباس الذي كان موجوداً عند آدم وحواء، وهو ما كان يواري السوءات، ويقال: إنّ أيّ إنسان يكون في غاية الضحك والانبساط، ويريد أن يكتم نَفْسه، ويمنعها ويحول بينها وبين الضحك إنه يحدث له ذلك لو نظر إلى أظافره، عندئذ لا يمكنه أن يضحك لأنها بقية لحظة الندم على كشف السوءة.
وجرّبها في نفسك، تجد نفسك قد منعت من الضحك، وهذا من عمل الإِله.
أو أن الستار الذي كان يواري السوءة هو النور الإِلهي الذي كان يلفهما، والنور الساطع جداً حين يلف لا يبين، صحيح أنك بالنور ترى الأشياء، لكنه إن اشتد عمَّى على الأشياء فأخفاها فلا تراها؛ لأن أي أمر إذا زاد على حدّه انقلب إلى ضده، فإما أن يكون الثوب الأظافر، وإما أن يكون النور الإِلهي الذي كان يغشاهما ويواري السوءة، وقد سميت (سوءة) و(عورة)، لأنها تسوء، فلماذا تسوء؟ وما الفرق بين فتحتين: فتحة في الفم، وفتحة في العورة؟.
إن فتحة العورة سوءة باعتبار ما يخرج منها. وحينما كانا يأكلان من إعداد ربنا لم يكونا- كما قلنا- في حاجة إلى إخراج فضلات؛ لأن إعداد الله يعطي كُلاًّ منهما على القدر الكافي للحركة والفعل، وكانت المسألة مجرد فتحات مثل بعضها. لكن حينما يخرجان عن مرادات الله في الطعام، ويأكلان غير ما أمر الله به، ويمارسان اختيار الطعام بدأت الفضلات في الخروج بما لها من رائحة غير مقبولة، فهل ظهور السوءة لهما هو رمز إلى أن هناك مخالفة لمنهج الله سواء أكان ذلك في القيم والمعنويات أم في الأمور المادية؟
نعم؛ لأن كل شيء يُخَالَف فيه منهج الله لابد أن تبدو فيه العورة، وإن رأيت أي عورة في المجتمع فاعلم أن منهجاً من مناهج الله قد عطل. وينقل القرآن ما قاله لهما الشيطان من وسوسة: {وقَالَ مَا نَهَاكُمَا رَبُّكُمَا عَنْ هذه الشجرة إِلاَّ أَن تَكُونَا مَلَكَيْنِ أَوْ تَكُونَا مِنَ الخالدين} [الأعراف: 20].
لقد همس الشيطان وأوحى لهما بأن الحق: أراد ألا تقربا هذه الشجرة لأن من يأكل منها يصير مَلَكاً، أو خالداً. ولم يمحص أي منهما كلمات الشيطان ليعرف أن كيده كان ضعيفاً واهياً وغبياً؛ لأنه مادام قد عرف أن من يأكل من هذه الشجرة يصير ملكاً أو يبقى من الخالدين فلماذا لم يخطف منها ما يجعله مَلَكاً أو خالداً؟ وفي هذا درس يبين لنا أن مَن يُزَيّن له ويتصدى له أحد بالإِغواء يجب عليه أن يمحص إلى أي غواية يسير، وأن يدقق في نتائج ما سوف يفعل.
وإذا كان الشيطان قد قال: {قَالَ أَنظِرْنِي إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ} [الأعراف: 14].
فلماذا لم ينقذ نفسه بالأكل من هذه الشجرة وتنتهي المسألة؟. إذن كان ما يقوله الشيطان كذباً.
ويقول الحق بعد ذلك: {وَقَاسَمَهُمَآ إِنِّي لَكُمَا...}.

.تفسير الآية رقم (21):

{وَقَاسَمَهُمَا إِنِّي لَكُمَا لَمِنَ النَّاصِحِينَ (21)}
(قاسم) مادة فاعل، تأتي للمشاركة، أي أن هناك طرفين اثنين، كل منهما فاعل في ناحية ومفعول في ناحية أخرى، مثل شارك زيد عمراً، وهي تعني أيضاً أن عمراً شارك زيداً، وهكذا تكون مادة فاعل وتفاعل، فكل منهما فاعل من جهة ومفعول من جهة. وفي المعنى نجد الاثنين فاعلاً ومفعولا، إذن (قاسم) تحتاج إلى عمليتين اثنتين.. فهل جلس إبليس يقسم لآدم ولزوجته، وهما يقسمان؟. ونقول: لا؛ لأنها تأتي مرة لغير المفاعلة، أو للمفاعلة اللزومية، والمفاعلة اللزومية تتضح في قوله الحق: {وَوَاعَدْنَا موسى ثَلاَثِينَ لَيْلَةً وَأَتْمَمْنَاهَا بِعَشْرٍ...} [الأعراف: 142].
وواعدنا، مثلها مثل فاعل، من الذي واعد؟. إنه الله الذي وعد موسى عليه السلام، ودخل موسى في الوعد بقبوله الوعد وتوفيته به.
إذن (قاسمهما) أي قبلا القسم ودخلا فيه. {وَقَاسَمَهُمَآ إِنِّي لَكُمَا لَمِنَ الناصحين} [الأعراف: 21].
و(قاسم)، أي أقسم، ولذلك حينما عاتب ربنا سيدنا آدم أوضح سبحانه: أنا قلت إنه عدو لك ولزوجك، ولسوف يخرجنكما من الجنة لتتعب وتشقى، فقال آدم: يا ربي ما كنت أعتقد أن خلقاً من خلقك يقسم بك على الباطل. ولم يأتي على البال أن خلقاً يقسم بالله على الباطل. وكانت هذه أول خديعة في الخلق. ولذلك نجد قتادة- رضي الله عنه- يقول: (المؤمن بالله يُخدع).
والنبي عليه الصلاة والسلام عقد على امرأة ودخلت به، ومن كيد النساء وهن زوجات للنبي صلى الله عليه وسلم وقد خفن أن يشغف بها حُبًّا، فقلن لها: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم، يحب هذه الكلمة، فإذا دخل عليك فقوليها!، قولي: أعوذ بالله منك ، ولحظة أن دخل عليها سيدنا رسول الله، قالت له: أعوذ بالله منك. فقال لها: (استعذت بمعاذ). ولم يقربها الرسول، وهذا ما يشرح لنا كيف يُخدع المؤمن بالله. وها هو ذا سيدنا عبد الله بن عمر كان يعتق من العبيد من يحسن الصلاة ويتقنها ويؤديها في مواعيدها، ويقف فيها خاشعاً، وحين عرف العبيد ذلك احترفوا إقامة الصلاة أمام المكان الذي يجلس فيه وكانوا يؤدونها بخشوع، وكان رضي الله عنه يعتقهم، وذهب له من يقول: إن العبيد يخدعونك، فيقول: من خدعنا بالله، انخدعنا له.
والنصح هنا: إغراء بمخالفة أمر الله، وكان يجب ألا تكون هناك غفلة من آدم، وكان لابد أن يقارن بين الأمرين، بين غواية الشيطان له بالأكل، وبين أمر الحق سبحانه الذي قال له ولزوجه: لا تقربا. لكنه لم يفعل.
ويقول الحق بعد ذلك: {فَدَلاَّهُمَا بِغُرُورٍ فَلَمَّا...}.

.تفسير الآية رقم (22):

{فَدَلَّاهُمَا بِغُرُورٍ فَلَمَّا ذَاقَا الشَّجَرَةَ بَدَتْ لَهُمَا سَوْآتُهُمَا وَطَفِقَا يَخْصِفَانِ عَلَيْهِمَا مِنْ وَرَقِ الْجَنَّةِ وَنَادَاهُمَا رَبُّهُمَا أَلَمْ أَنْهَكُمَا عَنْ تِلْكُمَا الشَّجَرَةِ وَأَقُلْ لَكُمَا إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمَا عَدُوٌّ مُبِينٌ (22)}
{فَدَلاَّهُمَا بِغُرُورٍ} أي فأنزلهما من رتبة الطاعة إلى درك المعصية والذنب مما غرهما وخدعهما من القسم. و(دلاّ) مأخوذة من دلّى رجليه في البئر كي يرى إن كان فيه ماء أم لا، أو دلَّى جبل الدلو لينزله في البئر، ومعناها: أنه يفعل الشيء مرة فمرة، و(بغرور) أي بإغراء لكي يوقعهما في المخالفة، فأظهر لهما النصح وأبطن لهما الغش.
وهنا وقفة تدل على الاصطراع بين الحق والباطل في النفس، {فَلَمَّا ذَاقَا الشجرة} هذا يدل على أنهما بمجرد المذاق تذكرا أن النزغ من إبليس جعلهما يذهبان إلى الشجرة. وأن ما أخذاه فقط كان مجرد المذاق، فتنبه كلاهما إلى جسامة الأمر. {فَلَمَّا ذَاقَا الشجرة بَدَتْ لَهُمَا سَوْءَاتُهُمَا وَطَفِقَا يَخْصِفَانِ عَلَيْهِمَا مِن وَرَقِ الجنة} [الأعراف: 22].
و(الخصف) أي تأتي بشيء وتلزقه على شيء لتداري شيئاً. وقديماً حينما كان يبلى نعل الحذاء، ويظهر به خرق فالإِسكافي يضع عليه رقعة من الجلد تكون أوسع من الخرق حتى تتمكن منه.
وهكذا فعل آدم وحواء؛ أخذا من ورق الجنة ووضعا ورقة على ورقة ليداريا السوءة. وقوله الحق: {وَطَفِقَا} يعني وجعلا من ورق الشجر غطاء للسوءات.
وهنا يقول الحق: {... وَنَادَاهُمَا رَبُّهُمَآ أَلَمْ أَنْهَكُمَا عَن تِلْكُمَا الشجرة وَأَقُل لَّكُمَآ إِنَّ الشيطآن لَكُمَا عَدُوٌ مُّبِينٌ} [الأعراف: 22].
لقد كان التكليف هنا في أمر واحد، والإِباحة في أمور متعددة، وسبحانه لم يكلفهما إلا بأمر واحد هو عدم الاقتراب من الشجرة، والمباح كان كثيراً؛ لذلك لم يكن من اللائق أن يتولى عن التكليف. ولم يكن هذا التكليف بالواسطة ولكن كان بالمباشرة، ولذلك سينفعنا هذا الموقف في الفهم في لقطة للقصة في سورة غير هذه وهو قوله الحق: {... وعصى ءَادَمُ رَبَّهُ فغوى} [طه: 121].
ولم يأت الحق هنا بسيرة المعصية، وقال لهما: {... أَلَمْ أَنْهَكُمَا عَن تِلْكُمَا الشجرة وَأَقُل لَّكُمَآ إِنَّ الشيطآن لَكُمَا عَدُوٌ مُّبِينٌ} [الأعراف: 22].
وسبحانه لا يجرم إلا بنص، وسبق أن قال سبحانه: {وَلاَ تَقْرَبَا هذه الشجرة} وأوضح: أن هناك عنصراً إغوائياً هو إبليس وعداوته مسبقة في أنه امتنع عن السجود، وقد طرده الحق لهذا السبب. إذن إنْ آخذهما وعاقبهما الله بهذا الذنب فهو العادل، وهما اللذان ظلما أنفسهما. وكان لابد أن يكون الجواب: نعم يا رب نهيتنا، وقلت لنا ذلك. وهذا إيراد للحكم بأقوى الأدلة عليه؛ لأن الحكم قد يأتي بالإِخبار، وقد يأتي بالاستفهام بالإِيجاب، ويكون أقوى لو جاء بالاستفهام بالنفي. {... إِنَّ الشيطآن لَكُمَا عَدُوٌ مُّبِينٌ} [الأعراف: 22].
ونحن نعلم أن العدو هو الخصم الذي يريد إلحاق الضرر والإيذاء بك، و(مبين) أي محيط، وهذا دليل يظهر عداوة الشيطان وإحاطتها؛ لأنه قد سبق أن أوضح أنه سيأتي من بين أيديهم ومن خلفهم وعن أيمانهم وعن شمائلهم. أو بيَّن العداوة وشديد الخصومة.
ويأتي الإقرار بالذنب من آدم وحواء: {قَالاَ رَبَّنَا ظَلَمْنَآ...}.

.تفسير الآية رقم (23):

{قَالَا رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنْفُسَنَا وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ (23)}
وتلك هي الكلمات التي قال الله عنها في سياق آخر: {فتلقى ءَادَمُ مِن رَّبِّهِ كَلِمَاتٍ فَتَابَ عَلَيْهِ إِنَّهُ هُوَ التواب الرحيم} [البقرة: 37].
فكأن الحق سبحانه وتعالى قدَّر غفلة خلقه عن المنهج؛ فشرّع لهم وسائل التوبة إليه، ووسائل التوبة ثلاث مراحل: تشريعها رحمة، ثم الإقبال عليها من المذنب اعترافا وإنابة، وقبولها منه سبحانه رحمة، فالتشريع يطلب منك أن تفعل، وحين تتوب يتوب الله عليك.
تشريع التوبة- إذن رحمة، لا بالمذنب فقط، بل وبغيره أيضاً؛ لأن الله لو لم يشرع التوبة، كان الذي يعمل معصية، ولايجد مغفرة، يستشري في المعاصي، وإذا استشرى في المعاصي تعب المجتمع كله. {قَالاَ رَبَّنَا ظَلَمْنَآ أَنفُسَنَا وَإِن لَّمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الخاسرين} [الأعراف: 23].
وهذا هو الموقف بعد الذنب من آدم وزوجته، وهو يختلف عن موقف إبليس بعد الذنب؛ فإبليس أراد أن يبرر المخالفة: {... قَالَ أَأَسْجُدُ لِمَنْ خَلَقْتَ طِيناً} [الإسراء: 61].
فماذا قال آدم وحواء؟: {... رَبَّنَا ظَلَمْنَآ أَنفُسَنَا وَإِن لَّمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الخاسرين} [الأعراف: 23].
ولذلك كان جزاء إبليس- وهو المتأبي على أوامر الله وحكمه- أن يطرد من رحمته. وجزاء المعترف بأنه أذنب، وأنه ظلم نفسه أن تُقبل توبته. إذن لا يصح للناس الذين يقيمون على معصية أن يقول الواحد منهم: (هذه هي ظروفي)، ويبرر ويحلل ما يفعله من المعاصي، بل على الواحد منهم ألا يطرد نفسه بنفسه من منطقة الرحمة، وعليه أن يقول: (ما أفعله، حرام، لكن لا أقدر على نفسي) وبذلك لا يكون قد ردّ الحكم، بل اتهم نفسه بالتقصير واعترف بالذنب، فصار أهلاً للمغفرة وأهلاً للتوبة.
وهنا نسأل: ما الفرق بين معصية إبليس ومعصية آدم؟. نقول: إبليس عصى وجاء بحيثية رفض الأمر، لكن آدم عصى وأقر بالذنب وطلب المغفرة.
وحين قال آدم وزوجته حواء: {رَبَّنَا ظَلَمْنَآ أَنفُسَنَا} معاً وفي نَفَس واحد، ونغمة حزينة نادمة، ألا يدل ذلك على أنهما قد تعلماها؟. إن كلا منهما لو اعتذر لله بمفرده لاختلفا في أسلوب الاعتذار.
وهذا دليل على أنها ملقنة، ولهذا قال ربنا. {فتلقى ءَادَمُ مِن رَّبِّهِ كَلِمَاتٍ فَتَابَ عَلَيْهِ...} [البقرة: 37].
وهما قد قالا: {رَبَّنَا ظَلَمْنَآ أَنفُسَنَا}، وأنفسنا جمع نَفْس، ولم يقولا (نفسينا)، بل قالا {أَنفُسَنَا} أي أن قلبيهما أيضاً قد صفيا وخلصا من أثر تلك المعصية، وأن ذلك مطمور وداخل في نفوس ذريتهما.
ويقول الحق بعد ذلك: {قَالَ اهبطوا بَعْضُكُمْ...}.